الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تتوق نفسه للزواج ولا يجد إليه سبيلا

السؤال

بارك الله فيكم، وجزاكم الله كل خير على هذا الموقع الإسلامي، الذي تقدمون فيه نصائح غالية، وتبذلون سعيكم لمعالجة مشاكل المجتمع. وفقكم الله، وأنار لكم طريق الخير.
أنا شاب بعمر 27 سنة، بفضل الله تخرجت من الجامعة بشهادة ماستر علوم سياسية، ووُظفت حديثا. الموضوع الذي أريد طرحه يتمثل في الآتي:
منذ 3 سنوات تقريبا، تاقت نفسي للزواج، وكنت أدرس بالجامعة حينها، وأعمل براتب شهري قليل جدا. طلبت من إخوتي أن يقدموا لي مبلغا من المال؛ لأتزوج به على الأقل. ولم يكونوا ميسوري الحال كثيرا، لكنهم يستطيعون أن يقدموا لي هذا المبلغ، بحكم أن فيهم من جمع قدرا من المال من الوظيفة، وآخر من التجارة. ففيهم من أجابني: اصبر حتى أتزوج أنا وتتزوج معي، وآخر قال: الزواج سهل، وإذا رغبت سنزوجك، لكنه لم يوف بوعده.
بعدها بسنتين أي بعد حصولي على وظيفة بأشهر، بدأت رغبتي شديدة في الزواج، وشهوتي أصبحت قوية جدا، وأصبحت خائفا على نفسي من الضرر ومن الحرام، ومنحني الله هذه النعمة العظيمة لأسعى للزواج. وفعلا بدأت بالبحث عن زوجة صالحة، ولم يكن عندي المال، لكن قرأت آية قرآنية وحديثا عن إعانة الله للناكح الذي يريد العفاف؛ فزادت ثقتي بالله، واستخرت الله، ولحد كتابة هذه الأسطر لم أجد زوجة حسب مواصفات الدين والأخلاق والجمال.
وفي كل يوم تزداد شهوتي رغم غض البصر، واجتناب العادة السرية، وحتى الصوم لكن لم تخف، وبدأت الآلام في المنطقة فوق العضو الذكري، وشخصها لي الطبيب بأنها احتقان في البروستاتا بفعل الكبت الجنسي. أصبحت أعالج بالدواء، ولم يفدني الدواء كثيرا، وأكد لي أن الزواج يفيدني كثيرا، وقد ازدادت الآلام وأصبحت دائمة، واكتأبت كثيرا، ولم أعد أركز في عملي، ولا حياتي ولا اجتماعاتي؛ لأن هذه الشهوة لا بد أن تلبى وفقا للشرع وليست شيئا تؤجله، وهي كالطعام والشراب.
وبقيت سنة على هذه الحال، وكل يوم تزداد الآلام من المنطقة فوق العضو الذكري إلى أعلى البطن، وأصبحت خائفا كثيرا من هذه الحالة. وأخبرت العائلة بوضعي، وأنه يجب علي تعجيل الزواج لهذا الأمر الطبي، وقالوا لي إنهم سيساعدونني، ولحد الآن لا زلت أبحث عن زوجة صالحة.
أنا الآن نادم؛ لأني لم أعجل بالزواج قبل أن تزداد حالتي، لأني وجدت بنات أرشدوني إليهن، وبقيت مترددا لأني لم أرهن، وخجول في هذه المسألة، رغم أني لا أمتلك مالا كثيرا.
وقد أصبحت ألوم إخوتي كثيرا، وغاضب عليهم غضبا شديدا؛ لأنهم لم يقفوا معي منذ 3 سنوات لأتزوج، أو حتى قبل اشتداد الآلام، وأصبحت أدعو عليهم بالسوء، وأحيانا أقول: أرحل ولا أعود إليهم؛ لأنهم لا يدرون بالوضع الذي أنا فيه، ولا يهمهم أمري، حتى إنهم قد رزقهم الله بسيارتين، ومعظم الإخوة يسوقون سيارات بعضهم، وهم لا يقدمونها لي. بصراحة أرى أنهم ظلموني، ولم يهتموا بي، حتى إننا لا نتحاور إلا قليلا مع بعضنا. وأحيانا أقول: لماذا بعض المجتمع وليس كله لا يهتم لمسألة النكاح، كما يهتم للبطالة وللمأكل والمشرب، وها نحن نرى نتائج وخيمة من انحرافات وسلوكيات خاطئة ...
من فضلكم أريد إجابة شاملة ودقيقة لحالتي هذه، وأتمنى أن ترشدوني لحل عاجل، وبالنسبة للنصائح: غض البصر، الصوم، اجتناب المثيرات، عدم القيام بالعادة السرية... فكلها تقريبا بفضل الله أتجنبها، فلا تعيدوها لي.
وما عساني إلا أن أقول: جزاكم الله خيرا، ووفقكم لكل خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنشكرك على إعجابك بموقعنا، ووفقنا الله وإياك إلى طاعته وخدمة دينه، ونسأله أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يجنبنا الخطأ والزلل.
والزواج من أمور الخير التي ينبغي المبادرة إليها قدر الإمكان، ففيه كثير من مصالح الدين والدنيا، والأعمار محدودة والآجال معدودة، وسبق ذكر جملة من هذه المصالح في الفتوى: 194929، والفتوى: 340735.
ويبدو أن مشكلتك من جهتين:
الأولى: القدرة المادية. وهنا نقول إنه ينبغي لإخوتك الوقوف بجانبك ومساعدتك إن كانوا قادرين على ذلك، فإنها إعانة على قربة فلهم فيها الأجر العظيم، قال تعالى: وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {الحج:77}، وقال سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى{المائدة:2}.

وإن كنت في حاجة لمساعدتهم اليوم، فقد يكون الواحد منهم في حاجة لمساعدتك في المستقبل، فإن لم يعطوك على سبيل الهبة فليعطوك على سبيل القرض، على أن تسدد لهم بأقساط حسبما يتيسر.

فإن لم يفعلوا، فلا تؤاخذهم، ولا يجوز لك الدعاء عليهم؛ فإنهم لم يمنعوك حقا لك حتى يكونوا ظالمين لك، بل لو قدر أن كان منهم ظالم فالعفو أفضل، وراجع الفتوى: 27841.
الثانية: اختيار الزوجة، وما ذكرت من ترددك بسبب الخجل. وما كان ينبغي أن يكون هذا الأمر مانعا لك في سبيل البحث عن الزوجة، وكان من الممكن أن تستعين ببعض أخواتك أو قريباتك ونحو ذلك.
فوصيتنا لك مع صدق العزيمة، دعاء الله عز وجل وسؤاله التوفيق، فهو سبحانه سميع مجيب، وهو القائل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:186}.

واجتهد في البحث، فقد ييسر لك من الأولياء من يزوجك ابنته باليسير، ولا شك في أن الزواج من أسباب الغنى، كما شهدت بذلك نصوص الكتاب والسنة، وراجع الفتوى: 7863.
يسر الله أمرك، ورزقك الزوجة الصالحة التي تسعد بها. وإن لم يتيسر لك أمر الزواج فاصبر، واعمل بكل أمر مشروع يزيل عنك هذا الضرر، فإن لم تجد سبيلا إلى شيء من ذلك، وتأذيت بهذا الألم وخشيت على نفسك الضرر؛ ولم يجد معك الصوم ونحوه مما يخفف غلواء الشهوة، فمن أهل العلم من رأى ارتكاب أخف الضررين عندئذ بالاستمناء؛ لإزالة الضرر واستفراغ المستجمع من الشهوة، وراجع الفتوى: 130812، والضرورة تقدر بقدرها، فإن زالت الحاجة إليها رجعت إلى الأصل وهو المنع، وانظر الفتوى: 23935، لمزيد الفائدة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني