الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الإسراء كان بالجسد والروح يقظة لا مناما

السؤال

السلام عليكم
السؤال كالتالي: هل أسري بالرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج بجسده أم بروحه، أم كانت رؤيا، وذلك لأنني قرأت على أحد المواقع الإسلامية أن هناك بعض الخلاف في هذا الأمر، علما بأني قد تلقيت في المدرسة أن الإسراء كان بالجسد والروح معا وليس فقط الروح؟ جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فحادثة الإسراء من الحوادث التي انعقد إجماع المسلمين عليها من حيث الثبوت، ودليل اجماعهم الكتاب، والسنة المتواترة، أما الكتاب فقوله تعالى في سورة الإسراء: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء:1]. وذكر ابن كثير رحمه الله في تفسيره الأحاديث الواردة في ذلك، واستوعب طرقها من كتاب الحافظ أبي الخطاب عمر بن دحية (التنوير في مولد السراج المنير). وكان الإسراء مرة واحدة بمكة بعد البعثة، قبل الهجرة بسنة، وقيل بسنة وشهرين، ولا يعتد نقلاً وعقلاً، بقول من قال بتعدد الإسراء. وأما من حيث كيفيته وهيئته، فقد اختلف العلماء في مسألتين: الأولى: هل كان الإسراء يقظة أو رؤيا منامية؟ الثانية: هل كان الإسراء بالروح والجسد أو بالروح فقط؟ وظاهر الأخبار تدل على أن الإسراء كان يقظة وهو قول الجمهور، وما نقل عن الحسن البصري في قوله تعالى: وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا.. الآية أنها رؤيا منام رآها، فقول مرجوح لا دليل عليه، ولم يصح في ذلك شيء. وأما المسألة الثانية، فإن جمهور العلماء على أن الإسراء كان بالروح والجسد، واحتجوا بظاهر الأدلة الواردة في ذلك. ونقل عن معاوية وعائشة رضي الله عنهما أن الإسراء كان بالروح فحسب، وأجيب بأن معاوية رضي الله عنه كان يوم الإسراء مشركاً، وعائشة يومئذ لم تكن زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، بل كانت صغيرة. قال أبو جعفر الطبري في تفسيره: الصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله أسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الأقصى كما أخبر الله عباده، وكما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الله حمله على البراق، حتى أتاه به، وصلى هناك بمن صلى من الأنبياء والرسل، فأراه ما أراه من الآيات. ولا معنى لقول من قال: أسري بروحه دون جسده، لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن في ذلك ما يوجب أن يكون دليلاً على نبوته، ولا حجة له على رسالته، ولا كان الذين أنكروا حقيقة ذلك من أهل الشرك كانوا يدفعون به عن صدقه فيه، إذ لم يكن منكراً عندهم ولا عند أحد من ذوي الفطرة الصحيحة من بني آدم أن يرى الرائي منهم في المنام ما على مسيرة سنة، فكيف ما هو مسيرة شهر أو أقل. وبعد فإن الله إنما أخبر في كتابه أنه أسرى بعبده، ولم يخبرنا بأنه أسري بروح عبده، وليس جائزاً لأحد أن يتعدى ما قاله الله إلى غيره. بل الأدلة الواضحة، والأخبار المتتابعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله أسرى به على دابة يقال لها البراق، ولو كان الإسراء بروحه لم تكن الروح محمولة على البراق، إذ كانت الدواب لا تحمل إلا الأجساد. انتهى. والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني