الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

سمعت من أصدقائي أنهم وغيرهم عند امتحان رخصة القيادة، دفعوا للشخص الذي يختبرهم رشوة، وقال لي إنهم لو لم يفعلوا ذلك، فسيرسبونهم عمدا؛ فقررت أن ألتحق بمدرسة قيادة. وأخبروني أنهم سيتولون أمر الرخصة؛ فظننت أنهم مؤهلون من المرور، وأني بذلك تجنبت الرشوة.
وبعد أن تعلمت، أخبروني بأن أذهب وأتصل برقم ما. وعندما سألت أقاربي الملتزمين، أخبروني بأن هناك ناسا يأخذون الرخصة بالواسطة، وناسا يدفعون ليجدوا شخصا يتوسط لهم، وقالوا لي: ادفعها وإن شاء الله ليس فيها شيء. وسألت صديقا آخر قال لي أيام الرسول صلى الله عليه وسلم الرشوة كانت مختلفة، إنما الآن النظام فاسد. ولما أعطتني مدرسة القيادة رقم أمين شرطة، وقالوا لي اذهب في هذا اليوم، وقالوا لي: لو لم تدفع سيسقطك.
المشكلة أني ذهبت في اليوم الذي كان هذا الراجل موجودا فيه. وسألت الأقارب الذين كنت قد سألتهم، فقالوا لي: لا شيء في ذلك.
فكرت في أن أدفع له وأسوق أنا، لكن خفت بعد أن دفعت مبلغا كبيرا ثم أسقط، ولكيلا يغضب ولدي؛ لأني صرفته بلا فائدة. فهو يرى أني لو ظللت أعمل هذا، أهل الشر فقط هم من سيفوز، وأهل الخير سيظلون في الأسفل. لما كان وقت الاختبار دفعت له، وكان هو السائق.
فهل بهذا أكون قد دفعت رشوة، وأكون ملعونا، وأكون في النار؟
الرجاء الرد علي بدون أسلوب الفتوى، على حسب السائل.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالرشوة المحرمة هي ما يدفع لكي يتوصل به إلى إبطال حق، أو إحقاق باطل، أما ما يدفعه المرء ليتوصل به إلى حقه، أو يدفع ظلماً أو ضرراً عنه، أو عن غيره، فإنها جائزة عند جمهور العلماء، ويأثم آخذ المال لا دافعه؛ لكونه معذورا بتحصيل حقه، أو دفع الظلم عن نفسه.
وبالتالي، فنرجو ألا يكون ما فعلته من الرشوة المحرمة، وألا يلحقك إثم بسببه ما دام حال الناس قد فسد إلى الحد الذي ذكرت. ومن لم يدفع لهم فإنه يظلم، ولا يعطى حقه. وابنك يعرف السياقة ويحسنها، فيأثم الآخذ هنا؛ لكونه أخذ ما ليس له بحق، وأما الدافع فيعذر.

قال ابن حزم في المحلى: لا تحل الرشوة، وهي ما أعطاه المرء ليحكم له بباطل، أو ليولى ولاية، أو ليظلم له إنسان، فهذا يأثم المعطي والآخذ، فأما من منع من حقه فأعطى ليدفع عن نفسه الظلم، فذلك مباح للمعطي، وأما الآخذ فآثم. اهـ.

وقال صاحب تحفة الأحوذي بشرح الترمذي: فأما ما يعطى توصلا إلى أخذ حق، أو دفع ظلم، فغير داخل فيه. روي أن ابن مسعود أُخذ بأرض الحبشة في شيء، فأَعطى دينارين حتى خلِّي سبيله، وروي عن جماعة من أئمة التابعين قالوا: لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله إذا خاف الظلم... وفي المرقاة شرح المشكاة: قيل: الرشوة ما يعطى لإبطال حق، أو لإحقاق باطل، أما إذا أعطى ليتوصل به إلى حق، أو ليدفع به عن نفسه، فلا بأس به...اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني