الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ترك الدعاء لتأخر الإجابة ولئلا يتعلق الشخص بالوهم

السؤال

لديَّ الكثير من التساؤلات عن الله، فبعد أن كنت ملتزمة بالعبادات، انقطعت عن الصلاة، ودعوت الله كثيرًا في أمر ما، وطوال فترة دعائي، وأنا موقنة بالإجابة، ولكن يقيني بالإجابة يعطيني أملًا أن مرادي سيتحقق، لكنه لم يتحقق، فلماذا نزيد على أنفسنا الهمّ، ونعطي أنفسنا أملًا وهميًّا بتحقيق الدعاء؟ وفي ذلك ضغط نفسيٌّ على الإنسان، وتلاعب بأعصابه، فقطعت دعائي؛ حيث لا أمل بالإجابة، بعد أن كنت أدعوه ليل نهار، وتوقفت حياتي، لكني أرى الآن أن أوقف الدعاء، أي أوقف الأمل الوهمي، وأتابع حياتي، وكثيرًا ما كانت تأتيني هذه التساؤلات، وسرعان ما كنت أعود للدعاء، وأستغفر ربي، لكنني الآن أدركت أن وقتي يضيع هباء منثورًا، ودعائي لن يتحقق، وأنا أعلم حديث النبي عليه الصلاة والسلام أنه لا يزال يستجاب للعبد ما لم يعجل، لكننا بشر ضعاف، وهذا خارج عن إرادتي، ولا أقوى على الصلاة، ولا على الدعاء، وأعلم أن علاقتي مع الله ليست علاقة مصلحة؛ أي أن أعبده ليستجيب، ولكنني سألته، وتذللت إليه كثيرًا.
لا أريد جوابًا أنه لم يكن خيرًا لي؛ لأنني استخرت الله كثيرًا قبل هذا الأمر، وإذا لم يكن خيرًا لي؛ فلماذا أعطاني إياه، ثم أخذه مني؟
أصبت باكتئاب، وأنا أراجع طبيبًا نفسيًّا الآن للعلاج، ولكن هذه التساؤلات، وغيرها كثيرًا ما تؤرقني.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فها هنا أمور، منها: أن الدعاء في نفسه عبادة، يحبها الله، ويحب من عبده أن يأتي بها، فالداعي فاعل لما يحبه ربه تعالى منه، وهذا من أهم غايات العبودية: تحقيق مراد الله من العبد.

ومن رحمة الله بعباده أن من لم يسأله، يغضب عليه، فهو يحب أن يُدعَى، ويحب أن يُسأل، ويحب الملحين في الدعاء.

ومنها: أنك لا تدرين هل وفيت مقام الدعاء حقه من الصدق، والإخلاص، وتحري الحلال، وتحري أوقات الإجابة، وتجنب موانع إجابة الدعاء، إلى غير ذلك، أم إن عندك تقصيرًا في ذلك؟

ومنها: أن المؤمن يوقن أن الله تعالى حكيم، وأنه تعالى يضع الأشياء في مواضعها، ويوقعها في مواقعها، ويلبس كل أحد اللبوس اللائق به، ويعطي كل أحد ما هو مفتقر إليه، وما يليق به من العطاء، فمنعه حكمة، وعطاؤه حكمة، وله الحمد على جميع ما يقدره، ويقضيه، فالعبد يدعوه، ويتضرع إليه، ثم هو يفوض أمره إليه؛ عالمًا أن ما يقدره هو الحكمة، والمصلحة، وأن عقله قاصر عن إدراك الحكم، والغايات المحمودة، وقد قال تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}.

ومنها: أن الداعي فائز على كل حال، فهو إن لم يستجب دعاؤه، ادّخر الله له ذلك الدعاء مثوبة، يوفيه إياها أحوج ما يكون إليها يوم القيامة، أو يصرف عنه من السوء مثل ما دعا به، فهو رابح فائز على كل حال، فلا يدع الدعاء، ويستحسر، إلا من حرمان، وخذلان -نسأل الله العافية-.

وبهذه الإضاءات التي أشرنا إليها إجمالًا، تعلمين الخطأ الذي وقعت فيه من شبه الاعتراض على حكمة الله تعالى، ومن الاستحسار، وترك الدعاء، وظن أنه لا ينفع، وأنه مجرد إضاعة للوقت، فبئس الظن ظننت، وبئس الزعم زعمت، بل الدعاء من الإحسان، والله تعالى لا يضيع أجر المحسنين.

ومن ثَمَّ؛ فالنصيحة المبذولة لك هي أن تتضرعي إلى الله تعالى، وتجتهدي في دعائه، ولا تستحسري، وتملي، وتَدَعي الدعاء؛ فإنك رابحة على كل حال، ثم ارضي بما يقدره الله، ويقضيه، عالمة أن قضاءه سبحانه هو الخير، والحكمة، والمصلحة، وأن عقولنا عاجزة، قاصرة عن إدراك ما لله في قضائه من الحكم الباهرة، التي يستحق الحمد عليها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني