الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ضوابط العمل بآية: "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ"

السؤال

ما هي ضوابط العمل بقاعدة: "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ"؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فالآية المشار إليها، وهي قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن:16}، تقتضي تعليق تحصيل مصالح التقوى على الاستطاعة، وكذلك المصالح كلها، كما قال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام، فإذا أمرنا بأمر، أتينا منه بما قدرنا عليه، ويسقط عنا ما عجزنا عنه، فالتكليف مشروط بالاستطاعة، ويشهد لذلك أيضًا قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ، فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ.

قال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام: أي: إذا أمرتكم بمأمور، فأتوا من ذلك المأمور ما استطعتموه، أي: ما قدرتم عليه.

وقال القرافي في الفروق: والقاعدة: أن المتعذر يسقط اعتباره، والممكن يستصحب فيه التكليف؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]، ولقوله - عليه السلام -: «إذا أمرتكم بأمر، فأتوا منه ما استطعتم". اهـ.

ويذكر الفقهاء للاستطاعة تطبيقات، وفروعًا كثيرة في مختلف أبواب الفقه، تدخل في نطاقها؛ تيسيرًا على العباد.

والضابط الذي يجمع تلك الفروع هو: أن الاستطاعة الشرعية التي هي مناط الأمر والنهي، لم يكلف الله أحدًا شيئًا بدونها، فمن استطاع أن يفعل ما أوجبه الله عليه، فعل، ومن لم يستطع، سقط عنه ما عجز عنه، وأتى بما استطاع منه، روى البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة؟ فقال: صلّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب.

وما كان خارج الاستطاعة، فهو مشقة، وقد يكون في غير مقدور الشخص، فيكون غير مطلوب منه، وقد يكون في مقدوره، لكن تلحقه بسببه مشقة فادحة، فيترخص لها.

أما إذا كانت المشقة خفيفة، فلا يترخص لها؛ لأن المشقة التي يترخص لها هي ما يعسر تحمله منها، لا مطلق المشقة؛ لأنها تصحب التكليف غالبًا، ومن ذلك: الطهارة في البرد، والصلاة في الجماعة وقت الفجر في شدة البرد، والصيام في فصل الحرّ، وهكذا، وفي ذلك يقول الشيخ محمد العاقب بن مايابى في نظمه لنوازل سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم الشنقيطي:

وألغيت خفيفة كبرد ماء الطهارة أوان البرد.

وقد قال النووي -رحمه الله تعالى- في المجموع بعد أن ذكر إباحة الفطر عند حصول المشقة: وهذا إذا لحقه مشقة ظاهرة بالصوم، ولا يشترط أن ينتهي إلى حالة لا يمكنه فيها الصوم، بل قال أصحابنا: شرط إباحة الفطر أن يلحقه بالصوم مشقة، يشق احتمالها. انتهى.

ومن القواعد الكلية الخمس الكبرى قاعدة: "المشقة تجلب التيسير"، فيمكنك الرجوع إليها، والوقوف على ما ذكره العلماء عندها من فروع، وتطبيقات، وقواعد فرعية مما لا يمكن عرضه في هذا المقام.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني