الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أهمل أولاده سنوات طويلة ويطلب منهم المسامحة والمال

السؤال

والدي ترك عائلتي التي تتكون من ثمانية أفراد، أصغرهم أنا حيث كنت في عمر أربع سنين، وأختي الصغيرة حيث كان عمرها شهورا فقط، وذهب إلى باكستان، وتزوج، ونحن مواليد مكة المكرمة ومقيمون فيها. وتركنا في ظروف قاسية جدا، من حيث لا يوجد سكن ملك لنا، ولا نظام هويات أو إقامات، وكنا مجهولين، ولا مصدر دخل، وكل إخوتي تحت سن الرشد، ولم يكن يصرف علينا ريالا واحدا، ماعدا أخي الكبير والذي بدوره لا يستطيع العمل رسميا؛ إذ لا يوجد لديه إقامة، وحتى أذكر ونحن صغار أننا بتنا في الشارع عدة أيام -العائلة كلها- وأدخلنا جميعا السجون بسبب أننا كنا مجهولين، وأبونا مستمتع ببلده بزوجة جديدة، وببيت أمي التي تركته في باكستان. وعلى هذا الحال بقينا ثماني عشرة سنة، بلا أي شعور بالندم، وكان يراسلنا كم هو كريم، ويرفه أبناءه من الزوجة الثانية، والآن أصبح يبحث عنا، ويطلب المسامحة، وهو بباكستان إلى الآن، ويطلب منا مالا، وحجته في تركنا أنه كان على خلاف مع أمي.
السؤال هو: هل ينبغي لنا بره، وسماعه، وطاعته؟ وهل نعطيه مالا؟ أم أن أمي وأخواتي وإخواني أولى بالمال.
وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كان أبوكم على الحال المذكور من إهماله لكم بأن ترك الإنفاق عليكم، وفرط في رعايتكم، وتفقد أحوالكم؛ فإنه آثم بذلك، فهو مسؤول عنكم في ذلك كله، قال تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ {النساء:11}، قال السعدي في تفسيره: أي: أولادكم -يا معشر الوالِدِين- عندكم ودائع، قد وصاكم الله عليهم، لتقوموا بمصالحهم الدينية والدنيوية، فتعلمونهم وتؤدبونهم، وتكفونهم عن المفاسد، وتأمرونهم بطاعة الله وملازمة التقوى على الدوام؛ كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ {التحريم:6}. فالأولاد عند والديهم موصى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية، وإما أن يضيعوها فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب. اهـ.

وخلافه مع أمكم لا يسوغ له أن يفعل ما فعل.

وثبت في الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: كلكم راع ومسؤول عن رعيته، والإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته.... الحديث. وروى أبو داود عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت.

ومع هذا كله، فإنه أبوكم، فبره والإحسان إليه واجب، فإساءته لا تسقط عنكم ذلك، ونرجو مراجعة الفتوى: 370030.

وإن لم يكن له مال، فنفقته واجبة على ميسور الحال من أولاده، ونفقته مقدمة على الأم عند التعارض في قول بعض أهل العلم، فضلا عن غيرها من الأقارب، ومن العلماء من ذهب إلى تقديم نفقة الأم، وهذا فيما إذا لم يقدر الولد إلا على نفقة أحد والديه. وراجع لمزيد الفائدة الفتوى: 46692.

وينبغي لك التسديد والمقاربة على كل حال؛ حتى تكسب رضا والديك، وتحسن إلى إخوانك وإخوتك، وانظر الفتوى: 64958.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني