الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا طاعة للأبوين في فراق الزوج

السؤال

كنت قد طرحت عليكم مشكلتي منذ فترة، وهي كالآتي -وأرجو منكم النصح والمشورة والفتوى-: أنعم الله عليّ بالجمال والعلم، والحمد لله، ومن قبل أن أدخل الجامعة، وأتمم تعليمي كان أبي يرفض كل متقدم لي بالزواج بداعي إتمام تعليمي، وبعد التخرج تقدم لي قريب لي من عائلة أمي والآخر ابن عمي، وغيرهم كثر إلا أن أبي رفضهم جميعا، فعندما سألني أبي عن ابن عمي رفضت الزواج به لعدة أسباب، ولم يعارض أبي رفضي، والحمد لله، إلا أنه عندما تقدم لي قريب أمي بالزواج، لم يعطهم إجابة طوال ثلاث سنوات بالرفض أو القبول. مع العلم أني تكلمت مع هذا الشاب، وأعرف أنه تصرف خاطئ، ولا يحتمل التبرير، إلا أنني وقعت في غرامه بشدة وهو كذلك، وأردنا كل شيء حسب الشرع والدين، والحلال فقط، في السنة الثالثة عادوا وطلبوني من جديد، مع العلم أنهم من المغتربين، وعاد أبي يؤجل، وقال لي إنه لا يريد إحراجاً مع عمي، فعلينا الصبر حتى يخطب ابن عمي، مع أن هذا سبب غير مقنع شرعا، لماذا يتعلق مصيرنا به؟ وقال لي: إنه لا يحب هذه العائلة من جدودها بسبب بعض المشاكل التي حصلت بينهم، فقلت له أن يعطيهم إجابة بالرفض أو القبول، لأنه لا يجوز تركهم على هذا الحال، فلم يقبل. استعنت بأقاربه فساعدوني على إقناعه، وذهب معنا وعقدنا القران، مع أنه نفسياً غير راض، وبعد مرور تسعة أشهر من عقد القران من غير دخول(لهذا أقول عنه خطيبي) علم أني كلمته قبل عقد القران، وهو الآن لا يتحدث معي، وأمي أيضا، ولا يكلم خطيبي ولا أهله، إصراري كان بدافع السترة والتخلص من سؤال الناس بأيّ مكان أتواجد فيه، أتعرض للسؤال خاطبة؟ متزوجة؟ وهكذا يوميا، تعبت نفسيتي، وأصبح عمري 28، وأبي على نفس الحال، يرفض الجميع، فما الحل الآن؟ نفسيتي متعبة جداً، لا أريد أن أذهب مع خاطبي بدون رضا أهلي، وأفكر أن أتركه، وأنهي هذه القصة، الا أنني أحبه كثيرا، وهو لا يستطيع تقبل فكرة بُعدي عنه، أو أن أكون لغيره، فماذا أفعل؟ ما الحل الذي يرضي الجميع؟ أذهب معه، وأهلي لا يكلمونني. هل يترتب عليَّ الإثم والغضب من الوالدين والله إن اخترت الذهاب معه؟ أم أطلب منه أن يتركني؟ وإن رفض تركي ماذا أفعل؟ مع العلم أن أبي يفضل إخوته وأخواته علينا في التعامل، ولا يستطيع أن يتخذ قرارا، ودائما متردد، ومستعد أن يفني نفسه لأجل إخوته، وهو ذو مزاج متقلب في التعامل معنا، وأنا أنعم الله عليَّ بالجمال والعلم، والتعامل المحمود مع الناس، وهذا عرضني للكثير من سؤال الناس، والذين طلبوني للزواج فعليا لا أستطيع عدهم، فهم كثر، وهذا متعب نفسيا بدون إجابتهم بسبب مقنع، وأبي يرفض، ولم أقابل أحدا منهم في بيتنا/ لم يكن يسمح لأحد بذلك، وأمي وأبي الآن غير مرتاحين لهذا الزواج، ولم يتقبلوه، أشيروا عليَّ وساعدوني جزاكم الله خيرا، ماذا أفعل؟ وما زال أبي على نفس الحال، وقد اقترب موعد زفافي، وقد مر على عقد قراني سنة وثمانية شهور، والسبب في تأخير الزفاف لهذا الحد هي الفيزا حيث إنه يسكن في قطر، والآن أبي يرفض مقابلتهم حيث إنهم سيأتون من السفر الأسبوع القادم، ولا يريد إتمام الزفاف، بمعنى يريد تطليقي، وأنا أريد زوجي، فماذا أفعل، تعبت كثيرا من تفكير أبي وأسلوبه، ولا أريد أن يقاطعوني إذا ذهبت مع زوجي، ولا أريد ترك زوجي، فما الحل؟، أشيروا عليّ، والله تعبت نفسيتي جدا، أرجوكم أشيروا علي؟ ما هي فتواكم البقاء مع زوجي رغم كل شيء؟ أم تركه والبقاء مع أهلي؟ وهل يعتبر الإصرار على زوجي، والذهاب معه عقوقا لوالدي؟ وأنا خائفة على أمي كثيرا حيث إن أبي لا يحدثها الآن ويصرخ دائما، وهي تقول لي أنت السبب، خائفة أن يحدث لها شيء، ماذا أفعل؟ ويقول إن ذهبت مع زوجي يريد تطليق أمي، فما العمل؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فأول الحلول هو التوجه إلى الله -عز وجل- بالدعاء والتضرع إليه، وسؤاله أن يقدر لك الخير، وأن ييسر لك إقناع والديك، ولا تيأسي بل أحسني الظن بربك، فهو عند ظن عبده به، وإنه أمر بالدعاء، ووعد بالإجابة، فمن علق قلبه به لم يخب رجاه، قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}. وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى: 119608. ففيها بيان آداب الدعاء وشروط إجابته.

ثانيا: إذا كان الحال ما ذكرت من أنك قد عقد لك على هذا الشاب العقد الشرعي، فقد صرت زوجة له، فلست مجرد مخطوبة له. وإن سلَّم إليك الحالَّ من المهر، وطلب تسليمك له وجب ذلك، ولم يكن لك ولا لوليك الامتناع إلا لغرض صحيح. وراجعي في ذلك الفتوى 307510.

وما ذكر من كونه لا يحب هذه العائلة بسبب بعض المشاكل التي حصلت ليس مسوغا شرعا لمثل هذه المماطلة.

ثالثا: نوصي بأن ينتدب بعض الفضلاء والعقلاء وذوو الوجاهة للكلام معه، وبذل النصح له، فإن استجاب وزال الإشكال فالحمد لله، وإلا فيمكن رفع الأمر إلى القضاء الشرعي لإتمام الزواج.

رابعا: إن قدر أن غضب عليك أبوك أو أمك بسبب إتمام الزواج، فليس في هذا عقوق منك، ولا تأثمين بذلك، ولكن اجتهدي في سبيل كسب رضاهما.

خامسا: إن كان الحال ما ذكرت من ترك أبيك الكلام مع أمك، وصراخه، وتهديده بطلاقها لمجرد أمر هذا الزواج، فهذا نوع من الجفاء وسوء العشرة، وينبغي أن ينصح أيضا بأن يتقي الله، ويحسن عشرتها، وأن لا يُقْدِم على طلاقها لمجرد إتمام الزواج، ولو قدر أن طلقها، فلا إثم عليك في ذلك، وقد ذكر الفقهاء أنه ليس للبنت طاعة أبويها في أمرهما إياها بفراق زوجها.

قال المرداوي الحنبلي في الإنصاف: لا يلزمها طاعة أبويها في فراق زوجها ولا زيارة ونحوها؛ بل طاعة زوجها أحق. اهـ.
ونؤكد في الختام على ما ذكرناه أولا من أمر الدعاء. يسر الله أمرك، وفرج كربك، وأرضى عنك أبويك، وأتم لك الزواج؛ إنه سميع مجيب، ونعم المولى، ونعم النصير.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني