الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم عقد القران عبر الهاتف، ومسائل في النكاح بدون ولي

السؤال

الإخوة الكرام في مركز الفتوى ، حياكم الله
أرجو التكرم بالتروي قبل إجابة سؤالي هذا فعليه تتوقف حياة بكاملها.
إن كان الحق سبحانه وتعالى قد خلق كل ما في الكون لخدمة الإنسان ومكوناته ومشتقاته للتيسير عليه ، مع اعتبار أن السائل والسائلة يتقيان الله قدر الاستطاعة ، ومن الملتزمين ، والسائل منتسب لآل البيت من أبيه وأمه.
لو نظرنا إلى العالم اليوم لوجدنا أن أهم الاتفاقات والمعاهدات وحتى أعتى العمليات الجراحية من الممكن إبرامها وإجراؤها عن طريق دوائر تليفزيونية مغلقه، ومن الممكن والمعتاد أنه عن طريق الهاتف نقل أخبار موثوق بها بين الدول ومراكز صنع القرار، وبما أن الحق سبحانه وتعالى في كل الأحوال حاضر وشاهد، فالسؤال المطروح هو: لو تعاهد رجل وامرأة ، يعرف كل منهما الآخر، ولا خلاف بينهما على مال أو ولد ، عائلاتهما معروفتان، وهي بالغة عاقلة رشيدة كما هو الحال فيه أيضا ، على الزواج ، ودرءا لحديث السر من وراء الأهل أو ولي الأمر ، وهو هنا في حكم المنتفي لكونه بعيدا، ولتأثره المباشر بوشاية كاذبة ، الأم تعلم وراضيه والأهل يعلمون، والعروس ثيب بالغة رشيدة، ذات مركز مرموق وكذلك العريس، ولرغبة كل من العريس والعروس اتقاء الحدود والشبهات فيما يغضب الله ، أتما في وجود شاهدين اثنين بالغين عاقلين مسلمين متعلمين ، أتما الزواج بعد أن أعطيت العروس مهلة عشرة أيام للتروي والتفكير والسؤال، ووافقت، أتما الزواج عن طريق الهاتف بسؤالها وسؤاله، ونطق الصيغة الشرعية (زوجتك نفسي على سنة الله ورسوله ومذهب الإمام .....إلخ) وقال كلاهما قبلت وقرءا الفاتحة , وشهد الشاهدان على ذلك ، وكان الحق شاهدا على الرغبة بينهما في الأساس وبعد حب شديد لا يمكن بعده إلا الزواج أو الدخول في علاقة مشبوهة أو محرمة، وبما أن الحق سبحانه وتعالى شاهد منذ الأزل ، وما يحدث بين الناس من توثيق ما حدث إلا لحفظ حقوق الدنيا ، وبما أن هذه الحقوق متفق عليها بين الاثنين أصحاب الأمر، ولا خلاف عليها بينهما، الإجراء هذا كان ابتدائيا لدرء الحدود والشبهات أولا ثم التحرك في اتجاه إرضاء الوالد وإقناعه فيما بعد وإن كان رضاه في هذه الحاله، غير ملزم خاصة وأنها بكر رشيدة عاقلة وثيب ، وبما أن الحق سبحانه وتعالى ورسوله شهدا وأُشهدا على هذا العقد ، تأسيا بزواج السيدة زينب بنت جحش وما جرى عليه العرف في زمن النبي عليه صلاة الله وسلامه، فهل يعتبر العقد سليما وساري المفعول؟ وماذا لو أجبرها الوالد على الدخول بآخر والإنجاب منه ، نكاية بالراغبين في الزواج وإخفاء وجود الرجل الأول عن الثاني فما موقع العقد الثاني وكيف يمكن التصرف؟ علما بأن الراغبين في الزواج أشهدا الله تعالى مباشرة على رغبتهما في الزواج وأتما العقد بالهاتف في وجود الشهود، وإن لم يتماسا أو يطأها فعلا وإن كانا تبادلا بعد العقد التهنئة كلمات عواطف معتادة بين الزوج وزوجه بعد العقد، وبما أن الله سبحانه وهو المصدر الأول للتشريع ، وقد أشهداه على نيتهما وأقسما على الوفاء ، ولا مشاكل إرثية على إرث أو منقولات أو ولد ، وهو سبحانه من يصنع الناس الوثائق إرضاءا له وحفظا لحقوق كليهما أشهدا على رغبتهما واتفاقهما وصدق نيتهما وشرف مقصدهما في الأول والآخر ،أفيدونا أفادكم الله فإن كان الحق رآنا وشهد علينا ويعلم صدقنا ولم ننكر أو نرفض عمل ما يرضي الناس ، فهل عقدنا سليم؟ جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمذهب جمهور العلماء أن الولي شرط في صحة النكاح، فإذا حصل نكاح بغير ولي فهو باطل، وذهب أبو حنيفة إلى أن الولي ليس بشرط، وأن المرأة إذا زوجت نفسها فنكاحها صحيح، ولكن لوليها أن يفسخ العقد إذا كان الزوج غير كفؤ، وقد تقدم تفصيل ذلك في الفتويين التاليتين: 40654، 7704 .

والراجح الذي تعضده الأدلة هو مذهب الجمهور، لكن إذا حصل أن زوجت المرأة نفسها عاملة ومقلدة لمذهب أبي حنيفة وكان الزوج كفؤا، أو أجاز هذا النكاح وليها، فلا نستطيع أن نقول إنه يجب عليهما الفراق، لكن الأحوط هو إعادة العقد حتى يكون صحيحا بإجماع، هذا كله إذا تم العقد بغير التلفون، أما إذا كان بالتلفون، فإنه باطل، لأن الشهود لا بد أن يشاهدوا طرفي العقد عند العقد، وهذا غير موجود في العقد بالتلفون، وعليه، فعقدكم الذي حصل عبر التلفون باطل، وإذا حصل أن عقد وليها عليها عقدا آخر بعد هذا العقد، فإن العقد الآخر هو الذي يمضي، فهذه المرأة الآن زوجة للرجل الآخر الذي عقد له وليها، فإذا أرادت فراقه، فلا بد من طلاق أو خلع. وما ذكره السائل من ملابسات لا تغير من الحكم شيئا، وذلك مثل علم الله في الأزل بحب فلان لفلانة، وكذا الرغبة بينهما في الزواج، وكذا اتفاق الاثنين وعدم وجود الخلاف بينهما... الخ.

وأما عن زواج السيدة زينب رضي الله عنها، فإن الذي زوجها للرسول هو الله جل جلاله بوحي من السماء، فأين ما نحن فيه من ذلك؟!

وعليه، فالواجب الآن هو التالي:

أولا: على هذا الرجل وعلى هذه المرأة أن يقطعا العلاقة التي بينهما فورا، ومن ذلك تبادل كلمات الحب عبر الهاتف.

ثانيا: إذا لم تكن المرأة راغبة في الزواج بالرجل الذي زوجها منه وليها فلتحاول إقناع والدها بعدم رغبتها، وتطلب الطلاق أو الخلع، فإذا تم الفراق فلتحاول إقناع والدها بالزواج من الرجل الآخر، فإذا اقتنع فذاك، وإن لم يقتنع وكان الرجل مرضيا في دينه وخلقه، فلها أن ترفع أمرها إلى الحاكم ليزوجها به، والأفضل لها أن تطيع أباها ما لم يعلم أن عمله كان عن تعنت، ولتتذكر قول الله تعالى: [وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ] (النساء: 130). نسأل الله أن يصلح أحوال الجميع وأن يختار لنا ولكم ما فيه الخير، إنه عليم خبير.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني