الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بيع الثمار قبل الصلاح وبدون العلم بالثمن

السؤال

ما هو حكم الإسلام في شراء المحاصيل الزراعية قبل وقتها؟ وهل يجب تحديد سعر؟ وإذا كان هذا المحصول قد تم جمعه، هل من الممكن شراؤه دون تحديد سعر، ثم تتم المحاسبة عليه على أساس أول سعر سيظهر به هذا المحصول؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فسؤالك قد اشتمل على مسألتين:

المسألة الأولى: بيع المحاصيل الزراعية قبل وقتها، فإن كنت تقصد بذلك بيعها قبل بدو صلاحها، فمن المعلوم أن ذلك لا يجوز، وهو من أنواع الغرر التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها عموماً وخصوصاً في أحاديث كثيرة، منها ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، نهى البائع والمشتري.

فلا يجوز لمسلم أن يبيع أو يشتري ثمرة مجردة قبل بدو صلاحها، ومن باب أولى إذا كان البيع قبل ظهورها.

فإذا بدا صلاحها ولو في بعض الشجر، جاز بيع ثمر جميع البستان، مع العلم أن السقي على البائع، وإذا أصابتها آفة أو جائحة قبل أن يتمكن المشتري من الجذاذ (الحصاد) سقط الثمن ولا يجوز للبائع أن يأخذ منه شيئاً، لما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، بم تأخذ مال أخيك بغير حق.

ومن ذلك أيضاً ما يفعله كثير من الناس أنه يشتري الثمرة لعدة سنين، وهو منهي عنه أيضاً، لما روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن بيع المعاومة. رواه مسلم، هو بيع الثمرة لسنين قادمة، وهو تعاقد على محل معدوم فيكون باطلاً.

لكن يمكن أن يتم بين المتعاقدين ما يعرف بعقد السلم، وذلك بأن يسلم المشتري إلى البائع ثمناً معلوماً مقابل أن يسلم له البائع بعد مدة معلومة وزنا أو كيلاً معلوماً من زرع معين أو ثمرة بأوصاف محددة إذا كان الوقت المحدد سلمها له سواء حصلها من بستانه أو من غيره، إذ لا يشترط في المسلم فيه أن يكون موجوداً حال السلم، لكن يشترط أن يكون مما هو متوفر عادة في وقت التسليم.

ودليل جواز السلم هو ما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنتين والثلاث، فقال: من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم.

والمسألة الثانية: البيع مع عدم العلم بالثمن، ومن ذلك تعليق السعر بأعلى سعر في الموسم أو أقل سعر أو متوسط السعر، وكل ذلك لا يجوز، والعقد حينئذ باطل، لأن من شروط صحة البيع العلم بالثمن والعلم بالمثمن، لأن في عدم العلم بهما ما لا يخفى من الغرر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغرر كما في صحيح مسلم.

والمعاملة المذكورة في السؤال قد اشتملت على الجهل بالاثنين، فهي ظلمات بعضها فوق بعض.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني