الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

حقيقه أنا كنت أعمل بمصلحة الضرائب ظانا أن العمل بها حلال لا شك فيه لمدة تسعة سنوات ثم أخبرني بعض الإخوة أن هذا العمل حرام فاستفتيت أحد طلاب العلم عندنا فأفادنى أن العمل فى الضرائب حرام إلا إذا عملت بنية التخفيف على الناس يجوز وتؤجر المهم عملت بعد هذه الفتوى قليلا ثم لم أطمئن فقررت ترك العمل وأرجو ألا يكون تركي رياء وأن يغفر الله لي ثم إني بعد ترك العمل يكون لي على الدولة مستحقات مالية مثل أموال كانت تستقطع باسم التأمين والتكافل الاجتماعى واستحقاقات أخرى هل يجوز لي أخذها والاستفاده منها؟ وما حكم ما كنت أتقاضاه قبل علمى بحرمة العمل؟ وهل يجوز لي أن أرجع لهذا العمل وأسعى للتخفيف على الناس ما استطعت علما بأني فى وظيفه مفتش ولي مساحة من السلطة تمكن أحيانا من ذلك ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإنه يجوز للدولة أن تفرض ضرائب على المواطنين لتوفر بما تجنيه من الضرائب الخدمات اللازمة كتعبيد الطرق وبناء المستشفيات والمدارس ، لكن بشرط أن تستنفد كل ما في بيت المال ( الخزينة العامة ) أما إذا جعلت ضرائب على المواطنين بدون مقابل ، أو جعلتها عليهم وفي بيت المال ما يكفي للقيام بالخدمات اللازمة والمصلحة العامة فإن ذلك محرم شرعاً ، وآخذها عرضة للعقاب الشديد ففي المسند من حديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يدخل الجنة صاحب مكس . يعني : العشار . والمكوس : هي الضرائب ونحوها ممايؤخذ بغير حق شرعي ، كما أن جواز الأخذ للحاجة الضريبية مقيد كذلك بما إذا لم يكن هنالك تسيب أو سوء استخدام في المال العام ، والعمل في إدارات الضرائب ينبني حكمه على نوعية الجباية ، وعلى ذلك ففيه تفصيل :

1 ـ فإن كانت مصلحة الضرائب تراعي الشرع ولا ترهق الناس بالضرائب الباهظة ، وتنفق هذه الأموال في مصالح المسلمين .. مع خلو الخزينة العامة للدولة من الأموال ، فعندئذ يجوز للمرء العمل في إداراتها ، لكن يجب على العامل أن يلتزم العدل ، وأن يبتعد عن الظلم ، وليحذر من الرشاوى التي تعرض عليه ، ليخفف مقدار الضريبة أو ليتجاوز عنها ، وراتبه في هذه الحالة حلال لا شيء فيه ، وكذا المستحقات التي تقرر له من الجهات التي ذكرت في السؤال ، مع وجوب تخلصه من المبالغ التي تزيد عما دفعه لشركة التأمين أو غيرها ، وذلك لحرمة التأمين التجاري الشائع في عصرنا .

2 ـ وإن كانت الدولة تفرض الضرائب على المواطنين بدون مقابل أو كان العمل في مصلحة الضرائب يخضع لقوانين مخالفة للشرع ، فلا يجوز جباية هذه الضرائب ولا العمل فيها في هذه الحالة ، لقوله تعالى : وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2 } والراتب في هذه الحالة حرام يجب التخلص منه بإنفاقه في مصالح المسلمين ، وما تم إنفاقه من هذا المال في الماضي لقضاء حوائج الموظف أو من يعول فلا نرى عليه فيه جناحا ، وما تبقى منه إلى الآن يجب عليه التخلص منه بالصورة التي ذكرنها ، وكل ما كان يخصم من راتبك في هذه الحالة يدخل تحت الحكم السابق ، وهو وجوب التخلص منه ، سواء كان تأميناً أو غيره ، لأنه جزء من الراتب المحرم ، أما إذا كانت جهة العمل هي التي تدفع الأموال لشركات التأمين والضمان الاجتماعي هبة منها إليك ، فلا مانع حينئذ من أخذها مع وجوب التخلص مما زاد عليها عند صرف المستحقات .

ولا نرى مانعاً من العمل في هيئات الضرائب ولو كانت الضرائب محرمة إذا كان في ذلك تخفيف عن الناس ، وذلك عملاً بقاعدة " الضرر يزال " وما يتفرع عليها من قواعد تفيد بأن الضر يزال قد الطاقة ، وقاعدة " الميسور لا يسقط بالمعسور " وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل جندي ، وهو يريد أن لا يخدم ؟ فأجاب : " إذا كان للمسلمين به منفعة ، وهو قادر عليها لم ينبغ له أن يترك ذلك لغير مصلحة راجحة على المسلمين " اهـ

وإذا أجزنا العمل بهذه الصورة فالمال المقبوض عوضاً له يكون حلالاً وكذا المستحقات التي تصرف له بعد انتهاء مدة عمله القانونية مع الالتزام بما ذكرناه آنفاً من القيود ، وراجع الفتوى رقم : 5811 ، والفتوى رقم: 18727 .

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني