الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

فضيلة الشيخ أنا مواطن عربي أعيش في بلد أجنبي ساهمت مع صديق مسلم أجنبي الجنسية من أهل هذا البلد الذي أعيش فيه بمبلغ من رأس المال وساهمت زوجته من مالها الخاص أيضا بالجزء الباقي من رأس المال (علما بأنها غير مسلمة)، في فتح محل للألبسة، وقد تم الاتفاق بيننا منذ البداية بأنه سيكون هو المسؤول عن العمل في المحل وأنا فقط سأساهم بالمال واتفقنا على تقسيم الربح مناصفة أي 50% له و50% لرأس المال يتم تقسيمه بيني وبين زوجته حسب نسبة رأس المال, والآن لدي الأسئلة التالية:
1- هل يجوز تقسيم الربح بيننا قبل أن ينضض المال أو بمعنى آخر هل يجوز أن يأخذ المضارب (الذي يعمل في المحل) شيئا من الربح حتى يستطيع العيش لأنه ليس لديه مورد آخر للعيش؟
2- هل يجوز تحديد راتب شهري محدد بغض النظر عن الربح للمضارب مثلا 1500 دولار بالإضافة لنسبة يتفق عليها من الربح (مثلا 40 %)، لقد قرأت في عدة كتب أنه لا يجوز، و لكن أحد الأشخاص قال لي بأن الحنابلة يجيزون ذلك؟
3- هل يوجد أي إشكال في شركة المضاربة هذه لأن زوجة المضارب (غير المسلمة) شاركت بجزء من رأس المال؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فبالنسبة لجواب الشق الأول من السؤال نقول إن الربح وهو الزائد على رأس المال لا يعرف إلا بالتنضيض (التحويل إلى نقد)، أو بالتقويم للمشروع بالنقد وما زاد على رأس المال فهو الربح يوزع على المشاركين حسب الاتفاق، ولا يستحق الربح إلا بالظهور، ولا يملك إلا بالتنضيض، ولا يلزم إلا بالقسمة، لكن يجوز للشريك أو المضارب أن يأخذ من الغلة قبل التنضيض، ويعتبر ذلك مبالغ مدفوعة تحت الحساب، وهذا ما انتهى إليه مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 75606.

وأما جواب الشق الثاني فإنه يجوز للشريك العامل أن يأخذ مبلغاً مقطوعاً شهرياً أو غير شهري أو يأخذ نسبة زائدة على شركائه مقابل عمله في المشروع دون بقية الشركاء فيكون بهذا الاعتبار أجيراً وشريكاً، وراجع الفتوى رقم: 42627.

أما مسألة هل للمضارب أن يأخذ مبلغاً محدداً من مال المضاربة سوى حصته من الربح فذلك غير جائز، وما أشار إليه الأخ من مذهب الحنابلة فنقول في جواب ذلك، إن الفقهاء اتفقوا على أنه لا يجوز أن يجعل نصيب للمضارب أو صاحب رأس المال دراهم معلومة أو يجعل مع نصيبه دراهم معلومة مثل أن يشترط النصف أو الربح ومعه عشرة دراهم، جاء في المغني لابن قدامة وهو من أئمة الحنابلة: ولا يجوز أن يجعل لأحدٍ من الشركاء فضل دراهم وجملته أنه متى جعل نصيب أحد الشركاء دراهم معلومة أو جعل مع نصيبه دراهم مثل أن يشترط لنفسه جزءاً وعشرة دراهم بطلت الشركة. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض إذا شرط أحدُهُما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة. انتهى.

إذا تقرر ذلك فإنه يجوز للمضارب أن يشترط نفقته من مال المضاربة، والنفقة هنا على سبيل الإباحة لا التمليك فلا تناقض بين جواز هذا وما تقدم من الاتفاق على منع جعل نصيب أحد الطرفين من المضاربة دراهم معلومة.

جاء في كشاف القناع من كتب الحنابلة: وليس للمضارب نفقة من مال المضاربة ولو مع سفر بمال المضاربة لأنه دخل على أن يستحق من الربح فلا يستحق غيره إذ لو استحقها لأفضى إلى اختصاصه به حيث لم يربح سوى النفقة إلا بشرط كوكيل، قال الشيخ تقي الدين أو عادة فإن شرطها أي النفقة رب المال له أي المضارب وقدرها فحسن قطعاً للمنازعة فإن لم يقدرها واختلفا فله نفقة مثله عرفاً من طعام وكسوة... وهي إباحة فلا ينافي ما تقدم إن شرطا دراهم معلومة يبطلها. انتهى.

هذا ولا مانع من مشاركة المسلم لغير المسلم إذا كانت الشركة فيما يحل والتزم فيها أحكام الشريعة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 17220.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني