الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يجب سداد دين الأب

السؤال

عندي أمر أريد أن أقصه عليكم لتفيدوني عن كيفية التعامل فيه.
تزوجت أمي من أبي منذ 31 عاما وكان لا يبدو عليه شيء سوى أنه رجل يجتهد ليعلو بنفسه وأسرته وكانت حياتنا جيدة ولكن لا تخلو من بعض المشاكل مع أمي حيث كان طبعه حادا بعض الشيء ولكنه بقدر الإمكان كان يحاول أن يكون أمامي وأمام إخوتي رجلا صالحا وقد حج لبيت الله الحرام، حتى بدأ يظهر عليه بعض التغيير عندما كنت في الثانوية أنا وأختي بدأ يشكو من ضيق الحال ثم بدأ يصبح رجلا يصعب التعامل معه وخصوصا معاملته مع أمي حيث كان يهينها أمامنا باستمرار ولا مانع أن تكون الإهانة أمام الناس وقد رأيت مرة في يدها بعض الجروح وعلمت أنه من فعل هذا بها عند تهديدها بالسكين علما بأن أمي سيدة هادئة الطباع وقد عانت معه كثيرا وفجأة بدأ يمرض ويهرب من الذهاب إلى عمله حيث كان يملك محلا تجاريا وبعد محاولات معه قال إنه مديون لبعض الناس ولكننا فوجئنا أنها ديون كبيرة جدا ولكن الحمد لله فقد أعاننا الله أنا وأختي وأمي أن نسد هذه الديون لكن المشكلة أن كل فترة يظهر لنا شخص يطالب بدين جديد وهذا مالا طاقة لنا به خصوصا أني تزوجت الآن وأمي وأختي من يقوم بالصرف على المنزل وباقي إخوتي لإتمام دراستهم والغريب أن أبي ظهر أنه قام بالنصب على العديد من الناس وقد سألناه لم فعلت كل ذلك فأجاب إنه قد ارتكب ذنوبا عديدة وهذا جزاء الله له علما أنه لا يصلي ويقوم بسب الدين باستمرا والعياذ بالله و يقوم بسب الله وإننا نرى أننا المبتلون وليس هو لأن كل شخص يأتي إلينا لتحصيل دينه، ومؤخرا فوجئنا ببعض الأشخاص المريبين يطالبوننا بدين قد استدان به أبي ولكنه نصب عليهم وقطع الشيك ولكن أبي عندما سألناه عن ذلك الدين في الأول أنكر ولكنه بعد ذلك أكد على صحته لكن المشكلة أن هؤلاء الناس أخبرونا أنهم كانوا يساعدون أبي في القيام ببعض أعمال النصب والاحتيال على الآخرين وأننا نخشاهم ونخشى ما قد يفعلوه بنا.
وسؤالي هل نحن سنظل العمر كله ملتزمون بسداد ديونه والسداد لكل من لا يملك إثباتا بذلك الدين وخصوصا هذا ما يشعره أخي تجاه أبي؟
والسؤال الثاني: نحن نشعر بالكره تجاهه ولا نحب أن نتعامل معه خصوصا أنه الآن يقوم بأعمال لإغاظتنا مثل التبول والتبرز في مكانه أو أي مكان آخر بالمنزل عدا الحمام. وأخشى جدا على أخي إذ إنه بعض الأحيان يفقد أعصابه ويهم بضربه بعد أن يقوم أبي بفعل مشين مثل خلع ملابسه أمام إخوتي البنات علما أننا ذهبنا به لأكثر من طبيب وأفاد أن عقله سليم تماما.
الرجاء الإفادة وتوجية كلمه لأخي حتى يتمالك أعصابه ولا يخسر دنياه وآخرته وتذكيره بالصبر على البلاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمن سب الخالق أو الرسل أو استهزأ بشعائر الدين فإنه يكفر إذا كان صحيح العقل. قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ.{التوبة:65 -66}

وإذا كان أبوك بجميع عقله فإنه قد كفر باستهزائه بالدين وسبه للخالق، يضاف إلى ذلك تركه للصلاة والعياذ بالله. وبناء عليه فإنه يفرق بينه وبين زوجته، ولا سبيل له عليها ما لم يعد إلى الإسلام، فإذا عاد وهي لا تزال في عدتها منها فله مراجعتها، وإلا فلا بد من عقد جديد، وانظري الفتاوى رقم: 31297، 25611، 1145، ولكن ما وصفت من حاله وذكرت من أفعاله لا يصدر عن الأسوياء، فلعل الرجل قد فقد عقله، فيكون غير مكلف لفقده آلة التكليف وهي العقل حتى يرجع إليه عقله. لما ثبت في المسند والسنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل.

وأما ما يستدينه من الأموال فلا يجب عليكم سداده من أموالكم، سواء أكان سويا عاقلا أم ليس كذلك، وسواء كانت ثابتة أو غير ثابتة. قال في مواهب الجليل مبينا أن دين الأب لا يجب سداده على ابنه فإذا كان على الابن ما يجب كالحج أو غيره فهو مقدم على سداد دين الأب قال: ودين أبيه ليس عليه حالا ولا مؤجلا، ففعل ما يجب عليه أولى من فعل ما لا يجب عليه. انتهى. ولكن ينبغي ذلك أي سداد ديونه عنه إن كان ذلك لا يشق عليكم لأنه من البر به، إلا إذا كان يستعمل ما استدانه في اللهو والباطل والسرف فلا ينبغي سدادها عنه، لأن ذلك يعينه على الحرام، ويشجعه على اقتحامه، وقد قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ {المائدة:2} ثم إنه على فرض اختلال عقله لا يصح بيعه ولا شراؤه، ومن فعل ذلك معه وهو يعلم مرضه فقد فرط في ماله بنفسه.

وخلاصة القول والذي ننصحكم به هو إحسان صحبته ما دام حيا، والاجتهاد في بره ومحاولة إصلاحه وثنيه عما يفعله من الأعمال المشينة والمزرية.

وأما ابنه(أخوك) فلا يجوز له أن يضربه أو يشتمه بحال من الأحوال، ولكن له منعه من الأعمال المشينة كالتبرز في الشارع أمام الناس ونحوه، والحيلولة دون ذلك والستر عليه، ولمنعه له من ظلم نفسه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالما أو مظلوما. قالوا: يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما؟ قال: تأخذ فوق يديه. قال ابن حجر في الفتح: كنى به عن كفه عن الظلم بالفعل إن لم يكف بالقول، وعبر بالفوقية إشارة إلى الأخذ بالاستعلاء والقوة.. وقال البيهقي: معناه أن الظالم مظلوم في نفسه، فيدخل فيه ردع المرء عن ظلمه لنفسه حساً ومعنى. انتهى منه باختصار.

والأب أولى بذلك الحق فيمنع من ظلم نفسه وظلم غيره، لكن بمزيد شفقة، فلا يلجأ معه إلى أسلوب الشدة أو التعنيف. وعليه أن يصبر على أذيته ويحتسب أجر ذلك ومثوبته عند الله، وكذا زوجته فهي مأجورة بإذن الله تعالى على صبرها على أذاه، واحتمالها منه ما تلقاه.

وللفائدة نرجو مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 68665، 9654، 25933.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني