الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

السلام عليكم ورحمة اللههل مجرد التلفظ بالذكر فيه الأجر؟ مثلا من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير من قالها مئة مرة كأنما أعتق أربعة رقاب من ولد إسماعيل وله مئة حسنة وتحط عنه مئة سيئة. هل بمجرد قولها ينال الأجر أم يجب التمعن والتفكر بمعناها وكذلك بالنسبة لباقي الأذكار.جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فقد قال الله تعالى: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45].
وقال جل وعلا: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152].
واعلم -وفقك الله- أن للذكر ثلاث أحوال: تارة يكون بالقلب واللسان، وذلك أفضل الذكر، وتارة بالقلب وحده، وهي الدرجة الثانية، وتارة باللسان وحده، وهي الدرجة الثالثة، قال الحافظ في الفتح: ولا يشترط استحضاره لمعناه ولكن يشترط ألا يقصد به غير معناه، وإن انضاف للنطق الذكر بالقلب فهو أكمل.
فأفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: وإنما كان ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده لأن ذكر القلب يثمر المعرفة ويهيج المحبة ويثير الحياء ويبعث على المخافة ويدعو إلى المراقبة ويزع عن التقصير في الطاعات والتهاون في المعاصي والسيئات، وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئاً منها فثمرته ضعيفة.
ومن هذا تعلم أن ذكر اللسان أقل درجة من ذكر القلب واللسان، ولكن فيه أجر في الجملة، وهذا لأن الذكر باللسان -وإن كان أقل درجات الذكر كما تقدم- إلا أنه يحقق فوائد عديدة منها:
تعويد الإنسان على الذكر، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم، إلى ذلك بقوله لمعاذ: لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله. رواه أحمد.
كما أن فيه شغلاً للسان عن الباطل من الغيبة والنميمة واللغو، كما قيل: نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، كما أنه أعون على طرد الشيطان وأبعد عن الغفلة، قال ابن عباس: في قوله تعالى: مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ [الناس:4]، الشيطان جاثم على قلب ابن آدم إذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله خنس، " ذكره ابن كثير وغيره في تفسير الآية.
قال الغزالي رحمه الله في الإحياء: الاستغفار باللسان أيضاً حسنة؛ إذ حركة اللسان بها عن غفلة خير من حركة اللسان في تلك الساعة بغيبة مسلم أو فضول كلام، بل هو خير من السكوت عنه، فيظهر فضله بالإضافة إلى السكوت عنه وإنما يكون نقصاناً بالإضافة إلى عمل القلب. انتهى
وقال أيضاً: فإن تعود الجوارح للخير حتى يصير لها ذلك كالطبع يدفع جملة من المعاصي. انتهى.
إذا تقرر هذا علمت أن الذكر الوارد في السؤال مَن لفظه بلسانه دون تفكر يحصل له أجر الذكر باللسان فقط، وهو دون أجر من قاله مع التمعن والتفكر في معناه وهكذا سائر الأذكار.
وينبغي للمسلم أن يحرص على حضور قلبه وتدبر ما يذكر الله به، فالتدبر في الذكر مطلوب كما هو مطلوب في قراءة القرآن لا شتراكهما في المعنى المقصود منهما، وهو التعبد لله.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني