الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوج فريند.. مضمونه.. ومدى مشروعيته

السؤال

ما رأيكم في زوج فريند، الذي يقال: إن الشيخ عبد المجيد الزنداني -حفظه الله- أفتى به، بل اقترحه حلًّا للشباب المسلم المقيم في الغرب كبديل شرعي لجارل فريند، وبوي فريند. وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه أما بعد:

فقد اطلعنا على البيان الذي كتبه الشيخ عبد المجيد الزنداني حول ما أثير عن ما يسمى بزواج فريند، وبين الشيخ - حفظه الله - أنه جرى تصحيف لكلمته، فإنه قال: زوج فريند، مشاكلة في اللفظ، لما عرف في الغرب ببوي فريند، ثم حرفت الكلمة لتصبح زواج فريند، ولتوهم أن الشيخ أتى بصورة جديدة للزواج. والشيخ - حفظه الله - يدعو إلى ترك الاسمين معًا، والعدول إلى المصطلح الشرعي اللائق، فقد قال في البيان: وأنا لا أدعو إلى مصطلحات غير شرعية، وأرى أن يكون مسمى هذه الصورة: الزواج الميسر للمسلمين في الغرب، بدلًا من مصطلح: زواج فريند. انتهى كلامه. هذا عن التسمية لهذا الزواج.

وأما مضمونه، فإن الشيخ تقدم برأي للمسلمين في الغرب؛ ليتفادوا الوقوع في الرذيلة، وليحفظوا دينهم، وأنسابهم.

وخلاصة هذا الرأي: أنه يمكن أن يتزوج الشاب بالشابة بعقد شرعي صحيح، مستوفٍ للشروط والأركان، من الولي، والشاهدين، والمهر، ولو لم يكن لهما سكن يأويان إليه، فيستمتع أحدهما بالآخر، ثم يأوي كل واحدٍ منهما إلى منزل والده، فليس زواج متعة مؤقت بمدة في العقد، ولا زواجًا بلا ولي، أو شهود، أو مهر. ولكن غاية ما فيه أن تسقط المرأة حقها في السكن، إلى أن ييسر الله عز وجل لهما إيجاد السكن، فهل هذا الزواج صحيح أم لا؟

والجواب: أنه لا يخلو أن يكون إسقاط المرأة لحقها في السكن مشروطًا في العقد، أو أن يحدث ذلك بعد العقد:

فإن كان مشروطًا في العقد، فقد اختلف الفقهاء فيه؛ فذهب الشافعية، والحنابلة إلى صحة النكاح، وفساد الشرط، قال ابن قدامة الحنبلي، في المقنع، وهو يتكلم عن الشروط في عقد النكاح: النوع الثاني: أن يشترط أن لا مهر لها، ولا نفقة، أو يقسم لها أكثر من امرأته الأخرى، أو أقل، فالشرط باطل، ويصح النكاح. اهـ. وقال النووي -رحمه الله- في منهاج الطالبين في فقه الشافعية: وإن خالف -أي: خالف الشرط مقتضى النكاح - ولم يخلّ بمقصوده الأصلي؛ كشرط أن لا يتزوج عليها، أو لا نفقة لها، صح النكاح، وفسد الشرط والمهر. اهـ.

وذهب المالكية إلى أنه إن شرط في العقد أنه لا نفقة لها عليه، فإن النكاح يفسخ، ما لم يدخل بها، فإذا دخل بها، ثبت النكاح، ولها صداق المثل، ويسقط الشرط، قال عليش في شرحه لمختصر خليل على فقه المالكية، وهو يتحدث عن الشروط في النكاح: القسم الثاني: ما يكون مناقضًا لمقتضى العقد؛ كشرطه على المرأة أن لا يقسم لها، أو أن يؤثر عليها، أو أن لا ينفق عليها، أو لا يكسوها. إلى أن قال -رحمه الله-: فهذا القسم لا يجوز اشتراطه في عقد النكاح، ويفسد به النكاح، إن شرط فيه، ثم اختلف في ذلك، فقيل: يفسخ النكاح قبل الدخول، وبعده، وقيل: يفسخ قبل الدخول، ويثبت بعده، ويسقط الشرط، وهذا هو المشهور. اهـ.

وأما إسقاط المرأة لحقها من النفقة، والسكن، والقسم بعد العقد برضاها، فلا بأس بذلك، ولها الرجوع إذا أرادت ذلك، قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وإذا خافت المرأة نشوز زوجها، وإعراضه عنها؛ لرغبة عنها: إما لمرضٍ بها، أو كبر، أو دمامة، فلا بأس أن تضع عنه بعض حقوقها، تسترضيه بذلك؛ لقول الله تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا) [النساء:128]. اهـ.

وبعد هذا العرض الموجز لأقوال الفقهاء في المسألة؛ يتبين أن ما قاله الشيخ عبد المجيد الزنداني ليس بدعًا من القول، بل قول له حظ كبير من النظر، خاصة أنه يحقق مصلحة حفظ النسل، وصيانة المسلمين من الوقوع في الرذيلة، فجزى الله الشيخ عبد المجيد خيرًا، وكثّر من أمثاله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني