الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من أحكام المضاربة الفاسدة

السؤال

أقوم بتوظيف أموالي في تجارة الأدوية بعائد شهري 8% وطلب بعض أقاربي أن أوظف لهم أموالهم دون أن يعرفوا قيمة العائد فوافقت وقلت لهم العائد 4% ففرحوا وأعطوني الأموال وأنا أحصل على 8% وأعطيهم 4% وهم في غاية الامتنان فما حكم الإسلام في الـ 4% التي آخذها، علماً بأنهم يأخذون المال بدون أدنى مجهود وأنا أبذل بعض الجهد لتحصيله؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالذي قمت به من توظيف أموالك في تجارة الأدوية هو ما يسمى في الفقه الإسلامي بالقراض أو المضاربة، وهي أن يدفع شخص إلى آخر مبلغاً ليتاجر به، وله نسبة من الربح على أن تكون هذه النسبة مشاعة كالربع أو النصف أو الثلث، والذي يظهر من سؤالك أن رأس مالك مضمون في حال الربح والخسارة، وأن نسبة 8% هي من مجموع رأس المال، وليست من الربح، فإذا كان الاتفاق قد تم بينك وبين تاجر الأدوية على ضمان رأس مالك، وعلى تحديد النسبة المذكورة (8%) بحيث لا يجوز لك المطالبة بما زاد على ذلك من الربح، كما لا يحق له أن ينقص منها إن كان الربح ناقصاً عنها، فإن ذلك لا يجوز، والمضاربة بذلك فاسدة، لأن من شروط صحتها تحديد نسبة شائعة من الربح وليس من رأس المال، ومن شروط صحتها أيضاً عدم ضمان رأس المال.

قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض - وهو المضاربة - إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معدودة.

وإذا فسدت المضاربة فلصاحب المال الأرباح وللعامل أجرة المثل، يجتهد في تقديرها أهل الخبرة بهذا الموضوع، مع التوبة إلى الله عز وجل من هذا العمل المحرم، وهذا هو قول الحنفية والشافعية والحنابلة وهو أحد القولين عند المالكية، فقد جاء في بدائع الصنائع: وأما حكم المضاربة الفاسدة... وإنما له أجر مثل عمله سواء كان في المضاربة ربح أو لم يكن.

وقال الماوردي: (فإن شرط) العامل الأول (لنفسه شيئاً) من الربح (فسد) القراض... والربح كله للمالك (وأجرة الثاني على المالك) لأنه لم يعمل مجاناً.

وقال ابن قدامة في المغني: فإذا فسدت المضاربة فسد الشرط، فلم يستحق منه شيئاً، ولكن له أجرة مثله.

وذهب آخرون إلى أن له ربح المثل، وهو قول ثان للمالكية، قال ابن عاصم المالكي في تحفة الحكام: وأجر مثل أو قراض مثل لعامل عند فساد الأصل.

وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: ولهذا كان الصواب أن يجب في المضاربة الفاسدة ربح المثل لا أجرة المثل، فيعطى العامل ما جرت به العادة أن يعطاه مثله من الربح إما نصفه وإما ثلثه وإما ثلثاه.

وقد سبق لنا أن رجحنا قول الجمهور فراجع في ذلك الفتوى رقم: 65877.

هذا.. وإذا أردت أن تستثمر مالك على الوجه الحلال، فانظر شخصاً أميناً حاذقاً يضارب لك فيه بشروط المضاربة الشرعية الصحيحة والتي تجدها مبينة في الفتوى رقم: 10549، والفتوى رقم: 63918.

وأما في تعاملك مع أقاربك فقد وقعت في محظورين اثنين، الأول: إيقاعهم فيما سبق الكلام عنه من المضاربة الفاسدة، الثاني: إخفاء حقيقة الأمر عنهم، فإن كتمانه لا يجوز، فالواجب عليك التوبة إلى الله تعالى من ذلك، ولأن المضاربة فاسدة فلأقاربك الأرباح كلها، وللمتاجر في المال أجرة المثل، وكان بإمكانك مصارحتهم وطلب جُعل لك تتفقان عليه مقابل جهدك الذي تقوم به.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني