الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأدلة على أن مباشرة التداوي لا تقدح في التوكل

السؤال

بعد الشكر الجزيل للقائمين على هذا الموقع المبارك، أرجو من فضيلتكم إجابتي عن السؤال الآتي: هل أخذ مصل التطعيم للوقاية من الأمراض الخطيرة كالتهاب الكبد الوبائي، أو ما يتحصن به الأطفال ضد الأمراض الخطيرة كالشلل والحصبة وغيرها، هل هذا الفعل مناف للعقيدة الإسلامية؟ علما بأن بعض الإخوة يرفض كل أنواع التطعيم بزعم أنها منافية للعقيدة؟ أفتونا مأجورين.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فالتداوي بالمشروع لا ينافي التوكل على الله تعالى، بل يستحب كما حكاه النووي في شرحه على مسلم عن جماهير السلف والخلف.
وأما التداوي بالمحرم فحرام، وأما التداوي بالمكروه فالأولى تركه، وللعلامة سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب كلام جيد في هذا الموضوع في كتابه (شرح كتاب التوحيد) عند شرحه لحديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: "هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون" . متفق عليه.
قال رحمه الله تعالى: واعلم أن الحديث لا يدل على أنهم لا يباشرون الأسباب - أصلاً - كما يظنه الجهلة، فإن مباشرة الأسباب في الجملة أمر فطري ضروري لا انفكاك لأحد عنه، حتى الحيوان البهيم، بل نفس التوكل مباشرة لأعظم الأسباب، كما قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق:3] .
أي كافيه. إنما المراد أنهم يتركون الأمور المكروهة مع حاجتهم إليها توكلاً على الله، كالاسترقاء والاكتواء، فتركهم له ليس لكونه سبباً، لكن لكونه سبباً مكروهاً، لا سيما والمريض يتشبث بما يظنه سبباً لشفائه بخيط العنكبوت.
أما نفس مباشرة الأسباب والتداوي على وجه لا كراهية فيه فغير قادح في التوكل، فلا يكون تركه مشروعاً، كما في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعاً: "ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء" .
وعن أسامة بن شريك قال: "كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت الأعراب، فقالوا: يا رسول الله، أنتداوى؟ فقال: نعم، يا عباد الله تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داءاً إلا وضع له شفاء غير داء واحد. قالوا: ما هو؟ قال: الهرم" رواه أحمد . قال ابن القيم : فقد تضمنت هذه الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات، وإبطال قول من أنكرها، والأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدراً وشرعاً، وأن تعطيلها يقدح بمباشرته في نفس التوكل كما يقدح في الأمر والحكمة، ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى من التوكل، فإن تركها عجز ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولابد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب وإلا كان معطلاً للأمر والحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلاً، ولا توكله عجزاً. ا.هـ.
وعلى ضوء ما سبق، فتناول الأدوية المباحة لدفع الأمراض والأسقام وتطعيم الأولاد الصغار لا ينافي العقيدة ولا التوكل، بل هو أمر مطلوب.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني